سورة إبراهيم - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ(13)}
وهكذا نرى أن فاشية الخير حين فَشَتْ في الناس؛ يغضب منها المستفيدون من الفساد والذين يعيشون عليه؛ ويتجه تفكير المفسدين إلى ضرورة إخراج خمائر الخير من الأرض التي يعيش المفسدون على الاستفادة من أهلها.
وإنْ عَزَّتْ الأرض على خمائر الخير، فعليهم أن يعلنوا عودتهم إلى ديانة الكافرين. ولا يقال: عُدْت إلى الشيء إلا إذا كنتُ في الشيء ثم خرجتُ عنه وعُدْتُ إليه.
هل كان الرسل الذين يُهدِّدهم أهل الكفر بالإخراج من البلاد؛ يقبلون العودة إلى ديانة الكفر؟
طبعاً لا؛ ولذلك نفهم من قوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا...} [إبراهيم: 13].
بمعنى (أو لتصيرن في ملتنا).
ولم يقبل الرسل تلك المُساوَمة؛ ذلك أن الحق سبحانه وتعالى يُنزِل جنود التثبيت والطمأنينة والسكينة على قلوب رُسُله والمؤمنين؛فلا يتأثر الرسل ومَنْ معهم بمثل هذا الكلام.
وهذا ما يُعبِّر عنه قَوْل الحق سبحانه في آخر الآية: {فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظالمين} [إبراهيم: 13].
وهكذا يأتي القانون السماوي بالعدل وهو إهلاك الظالمين، وتلك قضية إيمانية باقية ودائمة أبداً.
ويكمل الحق سبحانه وعده لرسله ومَنْ معهم من المؤمنين: {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن....}.


{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ(14)}
وهنا يؤكد الحق سبحانه أن مَنْ يثبت على الإيمان، ويخاف مَقَام الحق سبحانه، ويخشى يوم العَرْض على الحق ويوم الحساب؛ ولم ينكص عن منهج دعوة الحق؛ سيُورثه الحق سبحانه أرض مَنْ كفر بالله؛ فتلك سنة الله؛ لأنه سبحانه قال: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا..} [الأحزاب: 27].
ونعلم أن مَنْ يخاف الله ويخشاه ويؤمن أنه قائم على كُلِّ نفس؛ فسبحانه يجزي مَنْ يعيش حياته في ضَوْء الإيمان بأن يُورِثه أرضَ مَنْ كفر، وقد قال الحق سبحانه لرسوله: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا التي بَارَكْنَا فِيهَا..} [الأعراف: 137].
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: {واستفتحوا...}.


{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ(15)}
و(استفتح) تعني طلب الفتح، وهناك فتح، واستفتح. وكلمة (فتح) تدل على أن شيئاً مُغْلقاً ينفتح، ومرّة يكون المقصود بالكلمة أمراً حسياً؛ وأحياناً يكون الأمر معنوياً، ومرة ثالثة يكون الفتح بمعنى الفصْل والحُكْم.
والمثل على الأمر الحِسيّ قول الحق سبحانه: {وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ...} [يوسف: 65].
ومرَّة يكون الفَتْح معنوياً؛ وبمعنى سابقة الخير والعلم، كقول الحق سبحانه: {وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قالوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ...} [البقرة: 76].
وكذلك قول الحق سبحانه: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ...} [فاطر: 2].
أما المَثل على الفَتْح بمعنى الفَصْل في الأمر، فالمثل هو قول الحق سبحانه: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} [الأعراف: 89].
وهكذا نجد للفتْح معاني متعددة، وكلها تدور حول المغاليق هي تٌفَضّ، ويُطلَق الفتح آخر الأمر على النصر، والمثل هو قول الحق سبحانه: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} [النصر: 1].
وهنا يقول الحق سبحانه: {واستفتحوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15].
وهم طلبوا الفتح بمعنى طلبوا النصر، وكانت تلك خيبةً من الكفار؛ فَهُمْ طلبوا الفتح أي النصر؛ وهم قد فعلوا ذلك مظنّة أن عندهم ما ينصرهم.
وكيف ينصرهم الله وهم كافرون؟
لذلك يُخيِّب الله ظنهم ويحكم عليهم بمصير كل مَنْ عاش جباراً في الأرض، متكبراً عن عبادة ربه.
ويقول سبحانه: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15].
والجبار هو مَنْ يقهر الناس على ما يريده؛ والمقصود هنا هم المُتكبِّرون عن عبادة الحق سبحانه وتعالى، ويعاندون في مسألة الإيمان به سبحانه.
وماذا ينتظرهم من بعد ذلك؟
يقول الحق سبحانه: {مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ...}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8